محكمة إسبانية تدين مسؤولتين في سبتة بترحيل 55 قاصراً "تعسفيّاً"

محكمة إسبانية تدين مسؤولتين في سبتة بترحيل 55 قاصراً "تعسفيّاً"
مهاجرون على شواطئ سبتة - أرشيف

أصدرت محكمة قادش في جنوب إسبانيا حكماً نهائياً قضى بإدانة المندوبة الحكومية السابقة في سبتة، سالفادورا ماتيوس، ونائبة رئيس الحكومة المحلية السابقة، مابل ديو، بعقوبة تسع سنوات من عدم الأهلية لشغل أي منصب عام. 

وجاء القرار على خلفية ترحيل 55 قاصراً مغربياً بطريقة غير قانونية في أغسطس 2021، بعد ثلاثة أشهر فقط من دخولهم إلى الجيب الإسباني خلال موجة الهجرة غير المسبوقة في مايو من العام ذاته.

وذكرت صحيفة الباييس الإسبانية، الجمعة، أن القضاة اعتبروا قرار الترحيل الذي نُفذ بين 13 و16 أغسطس 2021، ليس فقط “تعسفياً”، بل "جائر بشكل واضح". 

وأكدت المحكمة أن المسؤولتين لم تتحققا مسبقاً إذا كان بعض هؤلاء القاصرين يعيشون أوضاعاً هشّة في بلدهم الأصلي، أو إذا كان ترحيلهم يعرّض المصلحة الفضلى للطفل للخطر، وهو ما يمثل خرقاً واضحاً لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.

انتهاك حقوق القاصرين

أشارت القاضية روزا ماريا دي كاسترو مارتين، رئيسة الجلسة، إلى أن الترحيل أدى إلى "انتهاك صارخ لحقوق القاصرين الذين وجدوا أنفسهم دون أي حماية"، بعدما جرى طرد 55 طفلاً من أصل قائمة ضمت 145 اسماً. 

وبرغم عدم ثبوت مسؤولية مباشرة لوزارة الداخلية الإسبانية في إصدار الأوامر، كشفت المحكمة وجود محادثات غير رسمية عبر رسائل نصية قصيرة ناقشت خلالها مسؤولة في مكتب نائبة رئيس الحكومة المركزية، كارمن كالفو، مع نائبة رئيس حكومة سبتة السابقة، فكرة "اختراع إجراء" لتجاوز صلاحيات النيابة العامة المكلفة بحماية القاصرين وتسريع وتيرة الترحيل.

تعود جذور القضية إلى مايو 2021، حين شهدت سبتة دخول نحو 15 ألف مهاجر خلال 48 ساعة فقط، في خضم أزمة دبلوماسية حادة بين مدريد والرباط، وكان بين الوافدين ما يقارب 1200 شخص أكدوا أنهم قاصرون. 

وشكل هذا التدفق ضغطاً هائلاً على سلطات الجيب الإسباني التي عانت من ضعف الإمكانيات في التعامل مع الأزمة، في حين تصاعدت الضغوط السياسية والشعبية المطالبة بترحيلهم إلى المغرب.

أحكام سابقة

أكدت المحكمة العليا الإسبانية في يناير 2024 عدم قانونية ترحيل ثمانية قاصرين آخرين، موضحة أن تلك الإجراءات افتقرت إلى الضمانات الأساسية مثل الإخطار الفردي، وإجراء جلسات استماع، وتدخل النيابة العامة. 

وكانت محكمة سبتة قد علّقت آنذاك إعادة مجموعة من الأطفال بعد دعاوى قضائية رفعتها منظمات حقوقية. وقد استأنفت سلطات سبتة ذلك الحكم، لكن القضاء الإسباني واصل تثبيت بطلان الإجراءات.

وطالبت الشبكة الإسبانية للهجرة وعدة منظمات حقوقية بتشديد العقوبات لتصل إلى 15 عاماً من عدم الأهلية، معتبرة أن ما جرى لا يمثل فقط خرقاً للقانون الإسباني، بل يشكل أيضاً انتهاكاً للقانون الدولي. 

وذكرت المحامية باتريشيا فرنانديز فيسينس التي دافعت عن قاصرين أمام المحكمة، أن إعادة الأطفال إلى بلدهم الأصلي "ينبغي أن تكون مصحوبة بضمانات أساسية" تشمل الحماية النفسية والاجتماعية، وهو ما لم يكن متوفراً إطلاقاً في حالة ترحيل القاصرين المغاربة عام 2021.

استمرار المأساة الإنسانية

شهدت سبتة منذ بداية عام 2025 محاولات متكررة للعبور عبر البحر والبر، حيث حاول أكثر من 300 مهاجر ليلة 15 أغسطس 2025 الوصول سباحة من السواحل المغربية. 

وتزايدت بين هؤلاء نسبة الفتيات القاصرات. ومنذ مطلع هذا العام، لقي ما لا يقل عن 30 مهاجراً مصرعهم في محاولات الوصول إلى الجيب الإسباني، وهو رقم قياسي يتجاوز حصيلة العام السابق بأكمله.

وفي 10 سبتمبر، عُثر على جثث ثلاثة شبان مغاربة دون العشرين من عمرهم في مياه سبتة، ليرتفع عدد الضحايا إلى أعلى مستوى في تاريخ المدينة.

سبتة ومليلية.. بوابتان ملتهبتان

تُعدّ سبتة ومليلية الحدود البرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي في القارة الإفريقية، وهو ما يجعلها نقطة جذب رئيسية لآلاف المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء ومن المغرب. 

ورغم التعاون الأمني بين مدريد والرباط، فإن محاولات الاقتحام الجماعي للسياجات الحدودية أو العبور سباحة ما زالت تتكرر، لتبقى سبتة بؤرة توتر دائم بين الجانبين الإسباني والمغربي، ومسرحاً لمعاناة إنسانية مستمرة يدفع ثمنها الأطفال والنساء على وجه الخصوص.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية